المسؤول عن الصيانة أن الدبابة ليست جاهزة بعد، واقترح علي الانتظار في مطعم اللواء، ريثما يحين وقت تسلمها. توجهت إلى المطعم، وجلست وحيدا في ركن بعيد، لأنني لم أكن أعرف أحدا من ضباطه وجنوده، ثم وضعت سماعة الموسيقى التي تلازمني دوما في أذني وأخذت أستمتع بصوت فيروز، معشوقتي التي سميت دبابتي باسمها. كان هناك عدد من الأشخاص في الركن البعيد عني، لكنني لم أهتم بهم أو أسمع ما كانوا يقولونه، فقد كانت أذناي مليئتين بأغاني فيروز. بعد ساعات جاء جندي ليخبرني أن الدبابة صارت جاهزة، فأخذتها على حاملة وذهبت إلى لوائي، على بعد قرابة سبعين كيلومترا من قطنا.
بعد يومين تم اعتقالي بتهمة كتم معلومات. سألني المحقق عما سمعته من أقوال المجموعة التي كانت في المطعم، فقلت إنني لم أسمع شيئا لأنني كنت أستمع إلى فيروز، استشاط غضبا وصفعني وركلني وشتمني، وأخيرا وضعني في الدولاب وكهربني ثم شبحني حتى تقطعت أعصاب يدي، بحجة أنني أرفض الإفصاح عما كان المتآمرون يقولونه.
فهمت من خلال الأسئلة أن الذين كانوا في الندوة تحدثوا باستخفاف عن أمر سمعوا أنه سيصدر إليهم بالتوجه إلى حدود العراق، للدفاع عن سد الفرات ضد هجوم عراقي يستهدف احتلاله، وأن أحدهم تساءل عندما بلغه الخبر: ليش العدو الإسرائيلي اللي قدامنا ما بيكفينا حتى صار بدنا عدو عربي ورانا؟ صمت قليلا ثم قال: هؤلاء هم المتآمرون، إنهم سبعة ضباط ثلاثة منهم مثلي: أبطال جمهورية، وواحد معه وسام الشرف من مرتبة فارس، هو الوحيد الذي يحمل هذين الوسامين في الجيش، وهم
يجددون كل عام طباعة مقابلة أجرتها جريدة «البعث» معه بعد انتهاء حرب تشرين، تقدمه للرأي العام كبطل يفاخر الحزب ببطولاته، مع أنه في السجن منذ ستة أعوام. مد يده إلى حقيبة كانت فوق رأسه وأخرج نسخ المقابلة الست، قبل أن يضيف: لم يشفع لي ما شهد به «المتآمرون» حول عدم معرفتهم باسمي وهويتي ومن أكون، وتأكيدهم خلال التحقيق معهم أنهم سخروا مني كضابط «مخنث» يضيع وقته في الاستماع إلى الموسيقى. اعتبرني الأمن العسكري كاتم معلومات وأسرار المؤامرة وزجني معهم في السجن، بعد تعذيب استمر ثلاثة أشهر كاملة.
لم أسأله عن صورة حافظ الأسد. انتبه هو إليها كأنه يراها لأول مرة وقال: رحمته هي حبل نجاتي الوحيد. أنا الآن في الثالثة والثلاثين، فإن عفا عني استأنفت حياتي، عملت سائقا أو فلاحا وتزوجت وأنجبت أطفا