كيفية إقامة الدولة الإسلامية
هناك آراء يقف وراءها جماعات إسلامية، أو مفكرون مسلمون، تتعلق بهذا الموضوع . وبغض النظر عن القائل فلا بد من الاهتمام بالقول . ولا بد من استعراض سريع لها وإماطة اللثام عنها حتى لا يبقى المسلم في حَيْرة، يضيع في متاهات هذه الطروحات، أو يحمل شبهات تتعلق بحمل الدعوة . ونعرض فيما يلي أهمها :
· هناك من المسلمين من يقول بأن فرض العمل لإقامة الخلافة يجب أن يقتصر على دعوة الحكّام وملئهم.
· وهناك من المسلمين من يقول بأن العبادة هي المطلوبة وليس العمل لإقامة الدولة الإسلامية.
· وهناك من المسلمين من يقول بأن العبادة هي المطلوبة وليس العمل لإقامة الدولة الإسلامية.
· وهناك من يقول بأن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم غير محققة.
· وهناك من المسلمين من يرى أن حمل السلاح في وجه حكام اليوم هو طريقة التغيير الواجبة الاتباع.
القول بأن فرض العمل لإقامة الخلافة يجب أن يقتصر على دعوة الحكّام وملئهم.
والملأ من الناس هم سادة الناس ممن بيدهم الأمور ويحيطون بالحكام . فإن نجحت دعوة هؤلاء تغيرت المجتمعات لصالح الإسلام بسهولة وإلا فلن يحصل تغيير . والذي ألجأ إلى هذا الفهم من الاقتصار على الملأ في الدعوة هو أن العمل لإقامة الخلافة من خلال دعوة المسلمين العاديين سيوقعهم تحت إذلال الحاكم، وستُحَمَّل نفوسهم ما لا تطيق الصبر عليه، والمسلم قد نهي عن ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه» قيل : وكيف يذل نفسه ؟ قال : «يتعرّض من البلاء لما لا يطيق» [ رواه أحمد والترمذي وابن ماجة ] .
والناظر في الواقع الذي تنشأ فيه الدعوات يرى أنها تنشأ في المجتمعات التي يكثر فيها الظلم والفسق والضياع والعنت ومشقة الحياة . وحيث يكون مرد كل هذه الظواهر إلى البعد عن الإيمان بالله وحده وحقه بالحاكمية . لذلك كان الأنبياء سابقاً، ومنهم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يدعون أول ما يدعون إلى الإيمان بالله وعبادته .
والمجتمعات بشكل عام، قديماً وحديثاً، يقودها الحكام وَمَلأُهم . وتكون التصورات الاعتقادية الباطلة وما ينشأ عنها من قوانين بحسب مصالحهم . ويحافظون عليها لحفاظهم على مصالحهم ومراكزهم . ويتولون كبر الدفاع عنها وحمايتها . وهذا ما حدا بأعرابي حصيف عندما سمع بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لأول مرة لأن يقول كلمة بعيدة الغور، صائبة الهدف : " إن هذا أمر تكرهه الملوك " . والناس في هذه المجتمعات ينقادون لهؤلاء الحكام ومَلئِهم، فهم يتأثرون أكثر مما يؤثرون . ويخضعون للنظام المطبق عليهم ولو كانوا له كارهين . ويعلمون أن دفع ظلم الحكام عنهم مكلف .
والأنبياء والرسل عندما يبعثهم الله، يبعثهم إلى أقواهم ليبصروهم الحق ويهدوهم سواء السبيل . وكان الذي يتولى مسؤولية الرد وقيادة المواجهة هو الحكام وملأُهم من الذين استكبروا .
والملأ : هم أعوان الحكام، وهم أصحاب المصالح والأغنياء المترفون . وهم زعماء الناس وسادتهم، وهم الذين يشكلون الوسط السياسي والفكري للحاكم، يعتمد عليهم ويستعين بهم . وهم الذين بيَّن الله سبحانه أنهم في طليعة من يتصدى لأنبياء الله، لأن نفوسهم قد امتلأت بحب المال والجاه، ومصالحهم ارتبطت بمراكزهم . لذلك فعندما تأتي دعوة الله سبحانه وتعالى لهم يظنون أنها تتعارض مع مصالحهم ومراكزهم فيتصدرون المواجهة ويوغرون صدر الحاكم، ويزينون له محاربتها والقضاء عليها . فينصاع بما تحمل نفسه من شرور وآثام لنصائحهم وتقوم المواجهة على أشدها بين أنبياء الله وهؤلاء الحكام الذين يحيط بهم هؤلاء الملأ، وتبدأ المعركة الفكرية والكفاح السياسي بين أنبياء الله وهؤلاء الحكام وملئهم على كسب الناس . ويقوم الأنبياء بالدعوة إلى الحق بالحق وهم عزل وضعفاء لا يملكون من القوة إلا سلطان الكلمة الصادقة بما لها من تأثير على النفوس . فيواجههم الحكام ومعهم ملأُهم بالحجة الباطلة ابتداءً، من قولهم إنها سحر البيان أو إنها أساطير الأولين أو إن حاملها مجنون أو كذاب . وإن المؤمن بها سفيه من أراذل الناس . وحين لا ينفع ذلك يلجأون إلى التعذيب والتشريد والبطش والتقتيل . وتنفتح المعركة من أوسع أبوابها بين الأنبياء وأتباعهم وبين الحكام وملئهم ومن يبقى من الناس على دين ملوكهم . سُنّة واحدة يحدثنا القرآن عنها بإيجاز معبِّر .
فها هو سيدنا نوح عليه السلام يدعو قومه . فيعترضه أول ما يعترضه الملأ من قومه . قال تعالى في سورة الأعراف : ) لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غَيْرُهُ، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم R قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين R قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين( .
وها هو سيدنا هود عليه السلام يدعو قومه عاداً . فيردُّ عليه دعوته أول ما يردّ الملأ منهم . قال تعالى في سورة الأعراف : ) وإلى عادٍ أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غَيْرُهُ أفلا تتقون R قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين ( .
وها هو سيدنا صالح عليه السلام حين دعا قومه ثموداً كان أول من أنكر عليه دعوته هم الملأ من قومه . قال تعالى في سورة الأعراف : ) وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غَيْرُهُ … ( . وقال تعالى : ) قال الملأ الذين استَكْبَروا من قومه للذين استُضعِفوا لِمن آمن منهم أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه، قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون R قال الذين استَكْبَروا إنا بالذي آمنتم به كافرون ( .
وها هو سيدنا شعيب عليه السلام حين دعا قومه في مدين واجهه الملأ مستكبرين . قال تعالى في سورة الأعراف : ) وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيرُهُ ... ( وقال تعالى: ) قال الملأ الذين استَكْبَرُوا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا … (.
وها هو سيدنا موسى عليه السلام، إذ أرسله الله إلى فرعون وملئه فكذبوه وأخافوا من معه وأشاعوا عليه وحرضوا فرعون على قتله . قال تعالى : ) ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ( وقال تعالى : ) قال الملأ من قوم فرعون إنّ هذا لساحر عليم ( وقال تعالى : ) وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وَآلِهَتَكَ … ( وقال تعالى : ) فما آمن لموسى إلا ذُريةُ من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم، وإنّ فرعون لعالٍ في الأرض وإنه لمن المسرفين ( .
وتحدثنا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي لا تشذ عن سيرة من سبقه من الأنبياء، أن الذي كان يجمد الدعوة ويمنع الإيمان بها والاستماع لها هو شدة الملاحقة والتعذيب للمؤمنين . فيخاف المؤمن أن يفتنه قومه وأهله عن إيمانه . ويخاف الذي يريد أن يؤمن أنْ