التعليقات على الأحداث السياسية والاجتماعية الأمريكية. هو على سبيل المثال ضيف كثيف التكرار على برنامج بيل مار الشهير. آخر أعمال مور في صالات السينما الأمريكية والعالمية هو الفيلم الوثائقي CAPITALISM: A Love Story "الرأسمالية..قصة حب" 2009. يأتي هذا الفيلم كما هو واضح في سياق الأزمة الاقتصادية العالمية التي جعلت من إعادة التفكير في الرأسمالية كفلسفة أمرا في غاية الأهمية. سأبدأ بحديث تفصيلي عن مور ثم سأعود للفيلم.
مايكل مور المولود في سنة 1954 والمصنف من قبل مجلة التايمز بأنه في عداد أكثر 100 إنسان تأثيرا في العالم. طبعا هذا التقييم جاء بعد عدد من الأعمال من أهمها على الإطلاق Bowling for Columbine سنة 2002 والذي جعل من قضيته الأساسية العنف في المدارس الأمريكية وفيلم Fahrenheit 9/11 2004 والمخصص لتحليل أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة وفيلم Sicko 2007 المخصص لمناقشة قضية التأمين الصحي، القضية الأكثر أهمية اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية. هذه الأعمال الناجحة جدا جعلت من مور أحد نجوم الشباك في صالات العرض العالمية. كما جعلته بالتالي أحد أبرز المؤثرين باعتبار أن القضايا التي يتفاعل معها هي قضايا واقعية ومهمة للإنسان العادي، كما أن مور يعتمد على قضية أساسية وهي أنه يحاول باستمرار كشف الخفايا والأسرار. باعتبار أن الخطاب الإعلامي المباشر مزيف ويسير في خدمة السلطات الاقتصادية والسياسية في البلد. يكشف مور الحقائق من خلال الذهاب إلى مواقع الحدث والتحدث مباشرة مع المسئولين والعمال وإنسان الشارع البسيط. ومن خلال عملية تحليل للمشاهد يتبنى مور عادة موقفا نقديا عنيفا وعاطفيا أيضا تجاه الأوضاع الحالية.
يصنف مور بأنه ليبرالي الاتجاه، ولذا فقد شكل صداعا قويا للجمهوريين، خصوصا في فترة توهجه إبان فترة رئاسة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن. اليوم مور في فترة الرئاسة الديموقراطية للرئيس النجم أوباما..جاء أوباما بأجندة التغيير لما قبله، لاستعادة الحلم الأمريكي من جديد.. الخط إذن مشترك بين مور وأوباما، اتضح هذا بشكل واضح في فيلم sicko إلا أننا لا نعلم ماذا سيجري في المستقبل، خصوصا أن الديموقراطيين هم الآن في السلطة ولعبة مور الكبرى هي كشف السلطة وتعرية خطاباتها، فهل سنرى في المستقبل ما يحقق هذا التحليل أم أن إشاعة اعتزال مور وأن فيلمه عن الرأسمالية هو النهاية ستتحقق؟
فيلم الرأسمالية.. قصة حب الذي يأتي، كعادة مور، على خلفية أحد أهم الأحداث في التاريخ الأمريكي المعاصر، وهي الأزمة الاقتصادية التي ضربت الحياة الأمريكية بقوة. جاء مور ليروي القصة من زاويته الخاصة التي أصبحت متوقعة على خلفية أعماله السابقة باعتباره يتحرك في اتجاه تقديم الرواية المخفية والمستورة والتي تحاول السلطة بأشكالها إبقاءها بعيدة عن عيون الجمهور.
الرأسمالية كما هو معلوم هي عقيدة الاقتصاد الأمريكي والأوروبي، العقيدة التي أثمرت أقوى اقتصاد على مرّ التاريخ، ولكن الرأسمالية، ككل شيء، لها وجه آخر بشع ومؤلم. باتجاه هذا الوجه تحديدا تحرك مايكل مور. وكعادة أعمال مور يتكون الفيلم من نسيج مترابط من قصص فردية وتصريحات مسئولين وتعليقات شخصية ومفاجآت للمسئولين ومؤثرات عاطفية وعلامات تعجب واستفهام كبيرة...داخل هذه الشبكة ينسج مور صورته التي غالبا ما تلامس أوجاع الناس وتغضب المسئولين الذين توجه لهم الكاميرا هذه المرة.
ساعتان لفيلم وثائقي..تحد كبير. كيف تبقي الحضور على مقاعد صالة السينما أو المشاهدين أمام شاشة التلفزيون لمدة ساعتين لمشاهدة فيلم وثائقي بلا نجوم وبلا خيال؟ لهذا الهدف عمل مور على جعل الفيلم متعدد الأبعاد والطرق والأساليب. فمن جهة جعل مور الفيلم ذا بعد كوميدي أسود جذاب..من خلال تعليقاته وقفشاته على تصريحات وسلوكيات المسئولين..المفارقات بين ما يقال وما هو في الواقع. من جهة أخرى اشتغل مور على الجرأة مرتفعة السقف في نقد شخصيات تاريخية مهمة في التاريخ الأمريكي مثل شخصية الرئيس رونالد ريغن. ومن جهة أخرى استحضار معالم تاريخية تدعم وجهة نظره من أهمها في الفيلم ذهابه إلى وثيقة الاستقلال والثورة الأمريكية ليبحث فيها عن الرأسمالية التي طالما ردد المسئولون أنها في لب التأسيس الأمريكي.. لم يعثر مور على الرأسمالية بقدر ما عثر على الحرية والإنسانية والمساواة.
ظهرت تصريحات غير مؤكدة حول توقف مور عن القيام بأفلام مشابهة في المستقبل! لكن المؤكد أن هذا النوع من الأعمال حمولته عالية..أكثر من قدرات شخص واحد..مور يخوض صراعا قويا مع جهات كبرى من أهمها في هذا الفيلم شركات رأس المال الكبرى في أمريكا.. وجه لهم مور ضربة قوية ومؤثرة ومن المتوقع أن يتعرض هو بالتالي لردة فعل. ظهرت على مور علامات الإرهاق والإجهاد. لكن من جهة أخرى تذهب تحليلات إلى أنه من السذاجة الاعتقاد أن مور يعمل وحيدا..خصوصا أنه يمثل أجندة الحزب الديموقراطي تقريبا وأنه لولا الدعم القوي الذي يحظى به لما استمر في أعماله بهذه القوة..وبغض النظر عن هذه القضايا فإن مور يعتبر علامة فارقة في تاريخ التوثيق الأمريكي، علامة تستحق الاحترام...علامة تسعى لتوسيع مساحة الحرية باستمرار وهذه برأيي قيمة عليا يكفي أي عمل فخرا أن يقترب منها.
--------------------------------------------------------------------------------
تعليقات
ذوقك بالافلام رفيع ياعبدالله .. ويبدو ان الفلم جدير بالمتابعه. تحياتي وكل سنه وانتا طيب.
شيخه
الآن أستطيع أن أقول أني وجدتُ كاتباً أقرأ له ... تحياتي وكل عام وأنتم بخير أستاذ عبدالله المطيري ..
قارئ سوداني